🌍 ١٤تشرين الثاني / نوفمبر اليوم العالمي للسكري: وقفةٌ لإحياء مسؤوليتنا الإنسانية

في الرابع عشر من تشرين الثاني من كل عام، يطلُّ علينا اليوم العالمي للسكري ليس مجرد ذكرى عابرة، بل منارةً عالمية تضيء أحد أكثر التحديات الصحية إلحاحاً في عصرنا. إنه يومٌ نرفع فيه راية التوعية في وجه داءٍ مزمنٍ يمسُ حياة الملايين، ندعو فيه إلى فهم أعمق لجذوره، ونسعى نحو وقايةٍ فعالة تعيد للجسد الإنساني توازنه المفقود.

🌿 في رحاب الإسلام: صحّة الجسد.. عبادة للروح
قبل قرون من اكتشاف الطب الحديث للعلاقة السببية بين الإفراط في الطعام والإصابة بالأمراض المزمنة، أرسى ديننا الحنيف القواعد الذهبية للصحة والوقاية. لم يكن الإسلام مجرد دين روحيٍّ فحسب، بل جاء مشروعاً متكاملاً لتحقيق العافية للجسد والروح معاً.
يقول المولى عز وجل مُحدداً قانون الاعتدال: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ (الأعراف: 31). إنها آية تضع يدها على الجذر الأول لأمراض العصر، ومنها السكري: وهو الإسراف.
ويؤكد سبحانه على قيمة الصحة كأمانة إلهية يجب حفظها فيقول: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ (البقرة: 195). فأين تكون التهلكة إن لم تكن في إهمال الغذاء، وإرهاق البدن، وتجاهل نداء الفطرة السليمة؟

ومن الهدي النبوي الشريف:
* فعن النبيّ صلى الله عليه وآله: «ما ملأ ابنُ آدم وعاءً شراً من بطنه، فإذا كان لا محالة فثلث للطعام وثلث للشراب وثلث للنَّفَس.» (رواه الصدوق في “الأمالي”، المجلس 91، ص 510) هنا لا يقدم لنا النبي مجرد نصيحة طبية، بل يرسم خريطة طريق لحياة صحية متوازنة.
* وعن الإمام علي (ع) تأتي الحكمة المكثفة: «من قلّ طعامه قلّت آلامه.» كلمات قليلة تختزل قانوناً طبياً بأكمله.
* ويجسد الإمام الصادق (ع) الفلسفة الطبية الإسلامية في عبارة خالدة: «المعدة بيت كل داء، والحمية رأس كل دواء.» فها هو التشخيص والدواء في كلمتين.
إن هذه التعاليم ليست مجرد نصائح صحية، بل هي جزء من منظومة أخلاقية تجعل من الحفاظ على الصحة عبادة، ومن الاعتدال في الطعام شكراً للنعمة، ومن الوقاية من المرض صورة من صور إلقاء النفس إلى التهلكة.

💡 السكري: الوباء الصامت.. والفهم العميق:
داء السكري ليس مجرد ارتفاع في مستوى السكر في الدم، بل هو اضطراب معقد في نظام استقلاب الطاقة في الجسم. إنه انهيار في حوار الخلايا مع هرمون الأنسولين، إما لغيابه (النوع الأول) أو لصمم الخلايا أمام ندائه (النوع الثاني). وتكمن خطورته الحقيقية في مضاعفاته التي تُعتبر أمراضاً بحد ذاتها: اعتلال الشبكية، والفشل الكلوي، وتلف الأعصاب، وأمراض القلب والشرايين.

عوامل الخطر: جذور الأزمة
* السمنة والخمول: وهما الثنائي الذي يهيئ الأرض الخصبة للمرض.
* التغذية غير المتوازنة: حيث تطغى السكريات والدهون على موائدنا.
* الوراثة: التي تحمل البذرة، لكن نمط الحياة هو من يرويها.
* التوتر المزمن: العامل النفسي الذي يغذي الالتهاب ويخل بالتوازن الهرموني.

الوقاية: فلسفة حياة جديدة
إن الوقاية من السكري ليست حِميةً مؤقتة، بل هي ثورة على نمط الحياة الحديث. إنها:
* عودة إلى المائدة المتوازنة، حيث الخضار والفواكه والحبوب الكاملة.
* إحياء لثقافة الحركة، ومقاومة للكسَل.
* مراقبة مستمرة للوزن ومستوى السكر.
* تصالح مع الذات لتخفيف وطأة التوتر.

🏥 مستشفى الإمام الحجة (عج) الخيري: رؤية إيمانية للرعاية الصحية
“صحتكم أمانة.. ووعينا مسؤولية”

انطلاقاً من هذه الرؤية، يضع مستشفى الإمام الحجة (عج) الخيري نصب عينيه مهمة تتجاوز العلاج إلى التمكين. نحن لا نعالج الأعراض فحسب، بل نسعى لبناء وعيٍ صحيٍّ في المجتمع. من خلال عيادات الكشف المبكر، وبرامج التثقيف الصحي الشامل، والرعاية المتكاملة التي ترعى الإنسان جسداً وروحاً، نريد أن نكون شريكاً لكل أسرة في رحلتها نحو الصحة.
في هذا اليوم العالمي للسكري، ندعوكم لجعل هذه الذكرى محطةً للتأمل والالتزام. لنقم معاً بمراجعة شاملة لأنماط عيشنا، ولنعمل يداً بيد لبناء مجتمع أكثر صحة ووعياً.
كما قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): «الصحة أفضل النعم، فاحفظوها بالاعتدال.»

في الختام: الصحة هبة.. والوقاية حكمة
اليوم العالمي للسكري هو تذكير سنوي بأن صحتنا ليست أمراً مسلَّماً به. إنها هبة إلهية، وأمانة في أعناقنا، ومسؤولية جماعية.
فلنعمل معاً على أن تكون الوقاية شعارنا، لأنها ليست مجرد خيار طبي، بل هي تجسيد للحكمة الخالدة: «الوقاية خير من العلاج»، وهي الخطوة الأولى نحو حياة مليئة بالطاعة والعطاء.

تمنياتنا بالصحة والسلامة للجميع

إعداد: مستشفى الإمام الحجة (عج) الخيري – إدارة التوعية الصحية

المقالات الجديدة