خدر وألم في اليد… لا تتجاهله! تعرف على متلازمة النفق الرسغي ‏(Carpal Tunnel Syndrome – CTS)

مقدمة:
قال سبحانه وتعالى: «وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ» – [الذاريات: 21] تذكير لنا بالتأمل في خلق أجسادنا والعناية بها، فهي أمانة من الله سبحانه.
متلازمة النفق الرسغي هي حالة طبية شائعة ومؤلمة تصيب اليد والمعصم، ناتجة عن زيادة الضغط على العصب الوسطي (Median Nerve) أثناء مروره عبر “النفق الرسغي” – وهو ممر ضيق في منطقة رسغ اليد. يُعد هذا العصب مسؤولاً عن الإحساس في راحة اليد والأصابع (الإبهام، السبابة، الوسطى، ونصف إصبع البنصر)، بالإضافة إلى التحكم في حركة بعض عضلات اليد.

🔍 الأسباب وعوامل الخطر
لا يُعزى سبب الإصابة عادةً إلى عامل واحد، بل إلى مزيج من العوامل التي تزيد من الضغط داخل النفق الرسغي، منها:
* الحركات المتكررة: الاستخدام المطول والمتكرر لليد والمعصم، كما في الكتابة، استخدام الحاسوب والفأرة، أو العمل على خطوط التجميع.
* الحالات الصحية المزمنة: مثل داء السكري، قصور الغدة الدرقية، التهاب المفاصل الروماتويدي، والسمنة، والتي يمكن أن تؤثر على صحة الأعصاب والمفاصل.
* التغيرات الهرمونية والسوائل: مثل تلك التي تحدث أثناء الحمل، أو انقطاع الطمث، مما يؤدي إلى احتباس السوائل وانتفاغ الأنسجة.
* العوامل التشريحية: كتعرض المعصم لكسر سابق، أو وجود كيس في المعصم، مما يضيق مساحة النفق.
* عوامل وراثية: قد يكون هناك استعداد عائلي لضيق النفق الرسغي.

💡 الأعراض الشائعة
تبدأ الأعراض تدريجياً وغالباً ما تظهر في البداية ليلاً، وتشمل:
* خدر وتنميل: في الإبهام، السبابة، الوسطى، ونصف إصبع البنصر.
* ألم أو الوخز (كالإبر): في اليد والساعد، وقد يمتد إلى الكتف في بعض الحالات.
* ضعف في قوة القبضة: صعوبة في حمل الأكياس أو الإمساك بالأشياء الصغيرة، مع ميل لإسقاطها.
* تيبس المعصم: خاصة في الصباح بعد الاستيقاظ من النوم.
* تخفيف الألم: عن طريق هز اليد أو تغيير وضعيتها.

🩺 التشخيص
يتم تشخيص المتلازمة من خلال خطوات متعددة:
1. الفحص السريري: حيث يقيّم الطبيب مدى الإحساس في الأصابع وقوة العضلات، وقد يجري اختبارات خاصة لاستثارة الأعراض.
2. اختبارات توصيل العصب (Nerve Conduction Studies) و تخطيط العضلات (EMG): لقياس سرعة الإشارات العصبية عبر النفق الرسغي وتحديد مدى الضغط الواقع على العصب.
3. التصوير الطبي: مثل الموجات فوق الصوتية أو الرنين المغناطيسي، لاستبعاد الأسباب الأخرى للألم (مثل التهاب الأوتار أو الأكياس).

🩹 العلاج
تعتمد خطة العلاج على شدة الحالة ومدة استمرار الأعراض:
* العلاج التحفظي (غير الجراحي):
–   تعديل النشاط: تجنب الحركات المتكررة المسببة للألم، وأخذ فترات راحة منتظمة.
–   جبيرة المعصم: خاصة أثناء النوم، للحفاظ على المعصم في وضعية محايدة تمنع الانحناء.
–   العلاج الطبيعي: تمارين خاصة لإطالة وتقوية عضلات اليد والمعصم.
–   الأدوية: مضادات الالتهاب غير الستيرويدية لتخفيف الألم والالتهاب.
–   الحقن الموضعي للكورتيزون: لتقليل التورم والالتهاب حول العصب، مما يخفف الأعراض بشكل مؤقت.
* العلاج الجراحي:
–   يُلجأ إليه عندما تفشل الطرق التحفظية أو في الحالات المتقدمة التي يكون فيها هناك ضعف شديد في العضلات.
–   الهدف من الجراحة هو “تخفيف الضغط” عن العصب الوسطي من خلال قطع الرباط الذي يشكل سقف النفق الرسغي.
–  يمكن إجراء الجراحة بالطريقة التقليدية المفتوحة أو عن طريق المنظار.

🛡️ نصائح للوقاية
الوقاية خير من قنطار علاج، ويمكن تقليل خطر الإصابة من خلال:
* تحسين بيئة العمل: استخدام لوحة مفاتيح وفأرة مريحة، والحفاظ على معصميك في وضعية مستقيمة أثناء العمل.
* أخذ فترات راحة: قف، تمشى، وقم بتمارين إطالة ليديك ومعصميك كل 30-60 دقيقة.
* ممارسة التمارين البسيطة: مثل قبض وفتح الأصابع، وتدوير المعصم بلطف.
* التحكم في الحالات الصحية: إدارة مستويات السكر في الدم وعلاج مشاكل الغدة الدرقية.
* الإنصات لجسمك: لا تتجاهل الألم البسيط أو التنميل، فهو إنذار مبكر.

🏥 رسالة توعوية أخيرة
قال الإمام علي (ع): «الصحة أفضل النعم»
فالمحافظة على صحة أيدينا جزء من شكر النعمة الإلهية.
يداك هما أداتك للتواصل والعمل والاستكشاف. العناية بهما ليست رفاهية، بل ضرورة للحفاظ على استقلاليتك ونوعية حياتك. لا تنتظر حتى يتفاقم الألم. استشر طبيبك عند أولى علامات الانزعاج المتكرر؛ فالتشخيص والعلاج المبكران هما مفتاح التعافي السريع وتجنب المضاعفات طويلة الأمد.

🌸تمنياتنا بالصحة والسلامة للجميع🌸

د. مهدي عبد الصاحب
اختصاص جراحة العظام والكسور

المقالات الجديدة