🌿 تُعد هشاشة العظام (Osteoporosis) أكثر من مجرد مرض عظمي؛ إنها قصة تدهور صامتة، تنسج خيوطها في صمت لسنوات، قبل أن تعلن عن نفسها فجأة عبر كسرٍ بسيط قد يغير حياة الإنسان. هذا “اللص الصامت” الذي يسرق كثافة العظام قطرة قطرة، يجعل من اليوم العالمي لهشاشة العظام مناسبةً ليس للتوعية فقط، بل لتفكيك هذه المعادلة الصامتة.
وفي القرآن الكريم، نجد تصويراً بليغاً لهذه الحالة الإنسانية على لسان النبي زكريا (عليه السلام): ﴿رَبِّ إِنِّي وَهَنَ العَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا﴾ (مريم: 4). فـ “وهن العظم” هو أبلغ تصويرٍ لتدهور البنية العظمية الذي نعرفه اليوم باسم “هشاشة العظام” ، حيث يقلّ الكالسيوم وكثافة العظم تدريجياً مع التقدّم في السن
⚖️ ما هي هشاشة العظام؟ أكثر من مجرد ضعف.
ليست الهشاشة مجرد نقص في الكثافة العظمية، بل هي تحول نوعي في البنية المجهرية للعظام – تلك الشبكة المعقدة التي تشبه قرص العسل – فتفقد متانتها وتصبح هشة قابلة للكسر بأبسط الضغوط. إنها تشبه “بناءٌ يعاني من تآكل في حديد التسليح الداخلي”، فيصبح عرضة للانهيار.
⚠️ عوامل الخطورة:
- العوامل التقليدية (التقدم بالعمر، انقطاع الطمث، نقص الكالسيوم وفيتامين D)، ثمة عوامل خفية:
- العامل الوراثي: حيث يلعب دوراً في سير المرض.
- · الهورمونات: واضطرابات الغدد واضطرابات الامتصاص.
- نمط الحياة الحديث: من جلوس مطول وابتعاد عن الشمس وتناول أدوية مؤثرة.
🥛 الوقاية: فلسفة البناء المبكر
الوقاية من الهشاشة ليست رفاهية، بل هي استثمار في “رأس المال العظمي” الذي نبنيه منذ الطفولة. يقول تعالى: ﴿كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ﴾ (البقرة: 172). فالشكر هنا يكون بحسن الانتقاء والتوقيت والكمية.
أسس البناء المتين:
- التغذية المتوازنة: لا يقتصر الأمر على الكالسيوم وفيتامين D، بل يشمل المغنيسيوم والزنك والبوتاسيوم والبروتين، فهي جميعاً لبنات في بناء العظام.
- الشمس صديقة العظام: ليس التعرض الطويل، بل الذكي المنتظم في الأوقات المناسبة.
- الحركة: حياة للعظام: حيث تحول التمارين – وخاصة تحمل الوزن والمقاومة – الهيكل العظمي إلى نسيج حيوي يتجدد باستمرار.
- فحص كثافة العظام : خاصة مع تقدم العمر أو وجود عوامل خطر.
وهنا تتجلى الحكمة النبوية منسجمةً مع ما أثبته العلم الحديث، كما في قول الإمام الصادق (عليه السلام): “إنّ البدن إذا لم يُتعب لم ينتفع”. فالنشاط البدني هو اللغة التي تخاطب بها العظام، فتستجيب بقوةٍ ومتانة
💠 التشخيص والعلاج: من التدهور إلى التعافي.
لا يقتصر التشخيص على جهاز قياس الكثافة (DEXA)، بل يمتد إلى تقييم شامل لعوامل الكسر، وصور متقدمة، ومقاييس دقيقة للبنية العظمية.
العلاج: نظرة متكاملة:
- التغذية العلاجية: لا تعويض النقص فقط، بل إعادة بناء النظام الغذائي.
- العلاج الدوائي: من معدلات دوران العظم إلى الأدوية البانية.
- التمارين العلاجية: لا لتقوية العظام فقط، بل لتحسين التوازن ومنع السقوط.
- إعادة التأهيل: نفسياً وجسدياً بعد الكسور.
وهنا نستحضر قول الإمام علي (عليه السلام): “الصحة أفضل النِّعَم”. فالحفاظ عليها مسؤولية، واستعادتها بعد الضياع جهاد.
🌸 رسالة مستشفى الإمام الحجة (عجّ) الخيرية
“نرعى الإنسان… لنحفظ الإيمان.”
في مستشفى الإمام الحجة (عج)، ننظر إلى هشاشة العظام ليس كمرضٍ معزول، بل كقصة تتقاطع فيها البيئة مع الجينات، والغذاء مع الحركة، والعمر مع الخيارات. . لذلك، نحرص على تقديم نهجٍ طبيٍّ متكامل يجمع بين التشخيص الدقيق والنصائح الوقائية التي تتوافق مع قيم مجتمعنا وأسلوب حياتنا
نستلهم في عملنا قول الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): “إنّ لبدنك عليك حقًا”، فنسعى لأن نكون خير عون للمؤمن في الحفاظ على هذا الحق.
🕊️ خاتمة: العظام القوية ليست مجرد متانةٍ فيزيائية، بل هي ذاكرة الجسد الحيّة، تحمل في مسامها تاريخ حركتنا، ونشاطنا، وغذائنا، وحتى علاقتنا بالشمس والأرض.
إنّ الوقاية من هشاشتها ليست ترفاً طبياً، بل هي عودةٌ إلى فلسفة العيش المتوازن.
فلنعمل معاً على بناء عظامٍ قوية، تدعم أجسادًا ثابتة، وتحتضن قلوباً مؤمنةً باليقين
إعداد: مستشفى الإمام الحجة (عج) – إدارة التوعية الصحية
تمنياتنا بالصحة والسلامة للجميع
د. مهدي عبد الصاحب
اختصاص جراحة العظام والكسور