مع بزوغ فجر (١٧) نوفمبر/تشرين الثاني، يعلو العالم صوتٌ ناعمٌ لكنه عظيم المدى، صوتٌ يروي قصة الكفاح الأول لأصغر المحاربين؛ إنه اليوم العالمي للطفل الخديج. يومٌ لا يقتصر على التوعية الطبية فحسب، بل هو وقفة إنسانية أمام معجزة الحياة في أبهى صور ضعفها وقوتها. فالحمل الذي ينقضي قبل أن يتمّ أسابيعه السبعة والثلاثين، يترك وراءه طفلاً يحمل لقب “الخديج”، ليس مجرد مصطلح طبي، بل هو وعد بحياة تحتاج إلى رعاية تُقدم قبل الأوان، وصبر يتجاوز الحدود، وأملٍ لا يعرف المستحيل.
📌 الطفل في رحاب الإسلام: كائن مُكرّم، وحياة مُصانة
لم يغفل الإسلام عن هذه التفاصيل الدقيقة في مسيرة الحياة، فجعل للطفل حرمة وقداسة تمتد إلى مراحله الأولى جنيناً في رحم أمه. وقد جاءت النصوص لتؤسس لرعاية متكاملة، تبدأ بالوقاية والحفاظ على النفس التي حرّم الله إلّا بالحق.
* قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [النحل: 78]. في هذه الآية إقرار بالضعف الإنساني الأولي، وتذكير بأن نعمة الحواس والسّمع والبصر مسؤولية تُرعى، خاصة في تلك البدايات الهشة.
* وقوله سبحانه: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين: 4]. إنها إشارة إلى أن هذه الصورة الإنسانية الكاملة تستحق الحماية والدفاع عنها منذ اللحظة الأولى، حتى وإن بدت غير مكتملة في أعين الناظرين.
* قول الإمام علي عليه السلام: «رَحِمَ اللهُ امْرَأً أَعَانَ وَلَدَهُ عَلَى بِرِّهِ». والإعانة هنا لا تقتصر على التربية الأخلاقية، بل تشمل إعانته على الحياة نفسها، بتوفير سبل العناية الطبية والنفسية التي يحتاجها.
* قول الإمام الصادق عليه السلام: «البَرَكَةُ مَعَ أَكَابِرِكُمْ، وَالبَنُونَ بَهِجَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا». والأطفال الخدج، برغم تحديّاتهم، هم بهجة حقيقية ونعمة تستحق الشكر والحماية.
📌 ضعف الجسد وقوة الإرادة: رحلة الطفل الخديج
رحلة الطفل الخديج هي رحلة إيمان بالحياة. إنها معركة يخوضها بجسد لم يكتمل بعد، يواجه فيها تحديات قد تشمل نقص الوزن، وصعوبات التنفس، وعدم نضج الأعضاء. لكن هذه الرحلة، برغم وعورتها، أصبحت مليئة بالأمل بفضل التقدم الطبي المذهل. لقد حوّلت الحاضنات الحديثة ووحدات العناية المركزة هذه المعركة من مجرد محاولة للبقاء إلى رحلة نحو اكتمال النمو.
وتؤكد الأبحاث أن عنصراً مهماً في هذه المعادلة لا تقل أهميّة عن الدواء: إنه “الرعاية الحانية”. فلمسة الأب، وحضن الأم، وصوتهما المألوف، ليسا مجرد رفاهية عاطفية، بل هما دواء فعال يعزز النمو العصبي والعاطفي، ويسرّع من عملية التعافي.
📌 مسؤولية متكاملة: دور الأسرة والمجتمع
لا تقع مسؤولية رعاية الطفل الخديج على كاهل الفريق الطبي وحده، بل هي شراكة إنسانية تتسع لدائرة الأسرة أولاً، ثم المجتمع بأكمله:
* دعم الوالدين: تقديم الدعم النفسي والمعنوي للأم والأب هما عماد هذه الرحلة، فهم بحاجة إلى من يذكرهم بأنهم ليسوا وحدهم.
* المتابعة المستمرة: الالتزام ببرامج المتابعة بعد الخروج من المستشفى هو جسر العبور الآمن نحو مستقبل صحي.
* تغيير النظرة المجتمعية: نشر الوعي بأن الطفل الخديج ليس “مشكلة”، بل هو طفل يحتاج إلى وقت إضافي ورعاية مكثفة ليلحق بأقرانه، وأن مستقبله يمكن أن يكون مشرقاً بإذن الله.
* محاربة الوصم: ثقافة الخوف والوصم الاجتماعي تمثل عائقاً نفسياً يجب هدمه، واستبداله بثقافة الدعم والتشجيع.
📌 رسالة مستشفى الإمام الحجة (عج) الخيري: من قلب المسؤولية، ننطلق
في مستشفى الإمام الحجة (عج) الخيري، نرى في كل طفل خديج أمانة إلهية، ونفحة من روح الغيب، تستحق منا أن نضع لها كل إمكاناتنا العلمية والطبية، وأن نحيطها بقلوبنا العامرة بالرحمة والمسؤولية. نحن هنا نرافقكم في رحلتكم منذ اللحظة الأولى، بكل ما أوتينا من علم وتقنية، ومستلهمين في ذلك رؤية آل البيت (عليهم السلام) في نصرة الضعيف وإغاثة الملهوف.
نعدكم بأن نوفر لصغاركم بيئةً تشبه الرحم في حنانها، ودقة الرعاية الطبية فيها، لأننا نؤمن بأن مستقبلهم المشرق يبدأ من هنا… من حضن دافئ، ويد حانية، وتقنية متطورة، وقلوب عامرة بالإيمان.
🌸 ختاماً…
كل طفل خديج هو رسالة أمل للعالم، تذكير بأن الحياة قادرة على الانتصار حتى من بين براثن الضعف. فلنكن جميعاً يدا واحدة لاحتضان هذه الرسالة، وحماية أصحابها، حتى ينعم كل طفل بطفولته، ويسلم كل برعم صغير ليزهر في جنات الحياة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
تمنياتنا بالصحة والسلامة للجميع
إعداد: مستشفى الإمام الحجة (عج) الخيري – إدارة التوعية الصحية



